الأسباب التي تدفع شركات التجارة الإلكترونية لتحسين تجربة المستهلكين في مرحلة ما بعد البيع
ساهمت أزمة كوفيد-19 في دفع نمو قطاع التجارة الإلكترونية العالمي خلال الأشهر الـ 18 الماضية، مع توقعات بأن يستمر هذا الزخم مستقبلاً. ويحتّم ذلك على الشركات في عام 2021 الاستعداد بشكل جيد للمنافسة المتنامية من جانب المنضمين الجدد إلى سوق التجارة الإلكترونية.
ويشكل تحسين تجربة المستهلكين في مرحلة ما بعد البيع إحدى الطرق المتاحة لتعزيز حضور الشركات، والتي غالباً ما يتم تجاهلها في استراتيجيات شركات التجارة الإلكترونية.
التجارة الإلكترونية ترسّخ حضورها وتمنح الشركات فرصةً مميزة لتنمية أعمالها
أشارت دراسة صادرة عن شركة شوبي فاي الكندية للتجارة الإلكترونية إلى وصول مبيعات التجزئة في قطاع التجارة الإلكترونية العالمية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال ذروة أزمة كوفيد-19 في عام 2020، حيث شكلت 16.4% من إجمالي مبيعات التجزئة العالمية نتيجة لقيام 84% من المستهلكين بشراء بعض أو جميع احتياجاتهم عبر الإنترنت. فقد أجبرت القيود وإجراءات الإغلاق المرتبطة بالأزمة الصحية المتسوقين والشركات على دخول قطاع التجارة الإلكترونية.
وانضمت بعض شركات التجزئة حديثة العهد في قطاع التجارة الإلكترونية إلى هذا التوجه على مضض، على أمل أن يكون ضرورة مؤقتة حتى يعود العالم إلى وضعه الطبيعي. ولكن سرعان ما تبين بأن عالم الأعمال تغير إلى الأبد، فعلى الرغم من الترجيحات بتباطؤ نمو عمليات التسوق عبر الإنترنت، ستواصل توجهات التسوق الإلكتروني ترسيخ حضورها مع مرور الزمن.
ونتيجة لزيادة عدد الشركات والمنافسة الشديدة في قطاع التجارة الإلكترونية، لم يعد كافياً أن يقتصر تركيز الشركات على تنفيذ وإنجاز عمليات البيع فقط، وإنما أصبحت تجربة المستهلك في مرحلة ما بعد البيع عاملاً أساسياً لتحقيق النجاح في قطاع تجارة التجزئة عبر الإنترنت.
ما هي تجربة ما بعد البيع؟
يشير مصطلح تجربة ما بعد البيع إلى الفترة التي تعقب شراء العميل للمنتج، وتتضمن جميع العمليات التي تحدث بعد قيام المشتري بالضغط على زر إتمام الشراء وإجراء عملية الدفع، وتتضمن:
- التواصل الفعّال
- خدمات التوصيل السريعة
- المعالجة الفاعلة لمشكلات الطلبات مثل الأضرار التي تتعرض لها الطرود وعمليات إرجاع السلع.
لماذا تكتسب تجربة ما بعد البيع أهمية كبيرة في تعزيز حضور شركات التجارة الإلكترونية؟
لطالما انصب تركيز العديد من الشركات في الماضي على مجالات التسويق والمبيعات، وإنشاء مواقع إلكترونية جذابة، وتوظيف الكثير من الاستثمارات في الأنشطة الإعلانية.
ولكن ذلك لم يعد كافياً اليوم، إذ يستطيع العملاء، مع توافر الكثير من الخيارات المتاحة أمامهم حالياً، اختيار المصدر التالي لمشترياتهم عبر الإنترنت بكل حرية. وإذا لم تبدِ الشركات اهتماماً كافياً بعملائها خارج نقاط البيع، فمن الممكن أن يتوجهوا للشراء من منافسيها، لذلك يتعين عليها تعزيز ولاء عملائها من خلال إثراء تجربتهم في مرحلة ما بعد البيع.
وبينما تساعد استراتيجية المبيعات والتسويق في الشركة على جذب العملاء الجدد، يسهم توفير تجربة متميزة لمرحلة ما بعد البيع في الحفاظ على ولائهم للشركة. وتشير دراسات سلوكيات المستهلكين التي أجرتها شركة نارفار المتخصصة بتقديم الحلول إلى أن العوامل الرئيسية اللازمة لكسب ولاء العملاء ترتكز على دعم العملاء في مرحلة ما بعد البيع.
السبل المتاحة للاستحواذ على إعجاب العملاء وزيادة إنفاقهم
أصبح المتسوقون عبر الإنترنت اليوم أكثر فطنةً وتطلباً بالمقارنة مع ما كانوا عليه قبل أزمة كوفيد-19، وارتفعت سوية توقعاتهم المتعلقة بتجربة الشراء الإلكترونية، بما في ذلك تجربة مرحلة ما بعد البيع. ويتطلع العملاء حالياً للحصول على خدمات توصيل سريعة، وكفاءة عالية في تتبع الطرود، وعمليات تواصل أفضل، وخدمات إرجاع مجانية وأكثر سهولة للمشتريات.
وتواجه بعض الشركات صعوبةً في مواكبة هذه المتطلبات، لا سيما الشركات حديثة العهد بتقنيات التجارة الإلكترونية، لكن تحسين خدمات ما بعد البيع لم يعد خياراً متاحاً، بل ضرورةً حتمية لتحقيق الاستمرارية والنمو.
العناصر الأساسية لتجربة ما بعد البيع
يُعد التكيف مع الواقع الجديد أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة لتجار التجزئة التقليديين الذين اعتادوا على إخلاء مسؤوليتهم بمجرد خروج العملاء من باب المتجر. ولكن تقديم تجربة ما بعد البيع يُعد أسهل بكثير مما قد يبدو عليه، فكل ما يتعين على التجار فعله هو تكرار تجربة ما بعد البيع المتميزة التي ابتكرها تجار التجزئة في العالم الرقمي، والتي يمكن الحصول على المعلومات المتعلقة بها بكل سهولة.
وتشمل العناصر الأساسية اللازمة لهذه التجربة ما يلي:
1. التواصل الفعّال
تشكل خدمات التواصل الفاعلة لمرحلة ما بعد البيع عنصراً أساسياً في كسب رضا العملاء، وترك انطباع طيّب لديهم على نحو يماثل الابتسامة الودية والاحترام الذي يبديه البائعون في المتاجر التقليدية. ويقدم التواصل الفعّال رسالة إيجابية إلى العملاء مفادها: "أنتم مهمون جداً بالنسبة لنا".
وكلما ازدادت نفقات المستهلكين، ارتفع مستوى توقعاتهم بالحصول على خدمات تواصل أفضل لمرحلة ما بعد البيع. لذا يتعين على شركات تجارة السلع الفاخرة وعالية القيمة إيلاء اهتمامٍ خاص باستراتيجيات التواصل مثل:
- تأكيد الطلب
- تأكيد عمليات الدفع
- توفير أحدث المعلومات حول عمليات الشحن والتوصيل
ويتعين على الشركات إضفاء طابع شخصي قدر الإمكان على خدمات التواصل. وبدلاً من استخدامها لعبارة "حضرة العميل المحترم"، يُفضل استخدام اسم العميل، وتعديل مضمون الرسالة وفقاً لظروفه الخاصة.
وإذا واجهت إحدى شركات التجزئة مشكلة في أحد الطلبات، يتعين عليها إطلاع العميل بشأنها فوراً حتى لو كانت خارجة عن سيطرتها. إذ تساعد الشفافية العالية على توفير أجواء من الثقة والحد من الطابع السلبي للأخبار السيئة عندما يتم إطلاع العملاء عليها بشكل فوري وبطريقة محترمة. كما يمكن تحويل الطابع السلبي لعملية الشراء إلى إيجابي إذا قدّمت الشركة للعميل تعويضاً محدداً عن التأخير الحاصل، مثل عملية شحن مجانية أو حسماً على مشترياته التالية.
وتشكل خدمات التواصل في مرحلة ما بعد البيع أيضاً فرصة لإطلاع العملاء على أي عروض خاصة يمكن أن تشملهم مستقبلاً.
وأظهرت دراسة صادرة عن شركة آي بي إم أن خدمات التواصل لمرحلة ما بعد البيع تحظى بالتأثير الأكبر على سلوكيات التسوق المستقبلية للعملاء، ويشمل ذلك:
- تتبع الطلبات عبر الإنترنت أو الهواتف المحمولة من خلال مجموعة من القنوات - 88%
- التوصيل في الموعد المحدد بدقة - 88%
- تقديم إشعار فوري عن أي تأخير في الطلبات أو مواعيد التوصيل - 90%
- أنشطة التواصل التي تؤكد إتمام عملية توصيل الطلبات - 88%
2. تتبع الطرود
يطالب العملاء اليوم بمعرفة مواقع طرودهم في جميع مراحل عملية التوصيل إلى الوجهة النهائية، لذا لم يعد كافياً إسناد خدمات التواصل الخاصة بتتبع الطرود إلى الشركاء ومزودي الخدمات البريدية.
وتُعد اتصالات التتبع المطورة مهمة جداً بالنسبة لجميع العملاء، ولا سيما بالنسبة إلى العملاء الجدد في قطاع التجارة الإلكترونية الذين قد لا يثقون بعمليات التسوق عبر الإنترنت، إذ غالباً ما يقلق العملاء الذين أنفقوا الأموال بشأن المدة التي يستغرقها وصول طرودهم، أو حتى إن كانت ستصل إليهم.
وفي حال عدم قيام الشركة بالتواصل مع هؤلاء العملاء، فإنهم سيصابون بالقلق الذي يعقب عمليات الشراء، خاصة عند افتقارهم للمعرفة التقنية اللازمة لمعالجة هذه المشكلة.
مثال واقعي عن مدى الإحباط الناجم عن ضعف خدمات التواصل في مرحلة ما بعد الشراء
أراد توم شراء زوج من الأحذية لزوجته بمناسبة يوم ميلادها، لكن حالة الإغلاق المرتبطة بالأزمة الصحية كانت سارية المفعول في منطقته ولم يُستثنى منها سوى متاجر السوبرماركت. لذا قرر توم خوض تجربة الشراء عبر الإنترنت، وكانت الخطوة الأولى أسهل مما توقعه، حيث عثر بسرعة على المنتج الذي رغب بشرائه من خلال إجراء بحث عبر الإنترنت، ثم قام بتسجيل طلبه، ودفع ثمن زوج الأحذية ورسوم توصيله.
وانتظر توم طويلاً، لكن الطرد لم يصل. واقترب موعد يوم ميلاد زوجته، فقام توم بالاتصال بالشركة التي اشترى منها زوج الأحذية، وبعد محاولات مضنية ومزعجة طلبت منه الشركة التواصل مع مزود الخدمات البريدية الدولي الذي تتعامل معه.
ولم يكن لشركة الخدمات البريدية تلك عنوان بريد إلكتروني أو أرقام هاتفية للتواصل، مما اضطر توم لإنشاء حساب خاص على موقع تويتر للتواصل معها. وبعد طول انتظار، جاء رد شركة الخدمات البريدية التي أخبرته بأن طرده أصبح خارج نطاق منطقة خدماتها، وأنها لم تعد مسؤولة عنه، وطرحت عليه خيار التواصل مع شركة الخدمات البريدية في دولته.
لكن شركة الخدمات البريدية في دولته أخبرته بدورها بعدم ورود طرده في سجلاتها. واضطر توم إلى التوجه من مكتب بريدي إلى آخر في منطقته حتى حالفه الحظ أخيراً في يوم ميلاد زوجته بالعثور على طرده بين أكوام من الطرود الأخرى.
يتعين على الشركات تجنب هذه المواقف المزعجة في تتبع الطرود.
ويمكن للشركات تجنب هذه المواقف من خلال اتباع الخطوات التالية:
1) إنشاء صفحة تتبع مخصصة للعلامة التجارية على مواقع الإنترنت الخاصة بها، مما يتيح للعملاء إمكانية تتبع طلباتهم على مدار الساعة. وقد يتطلب ذلك استثمار بعض المبالغ المالية في تقنيات وأنظمة التتبع المتطورة، ولكنها ستحقق بالمقابل أرباحاً جيدة.
2) التواصل مع العملاء في جميع مراحل الشحن والتوصيل من خلال القنوات التي يختارونها، سواء كانت البريد الإلكتروني أو تويتر أو الرسائل النصية أو تطبيق فايبر أو تطبيقات التراسل الفوري الأخرى.
تحويل خسائر إرجاع المشتريات إلى فرص مجزية
أصبح من المؤكد في ظل النمو الهائل الذي شهدته طلبات التسوق عبر الإنترنت، أن يمتد تأثير مشكلة إرجاع المشتريات والتي تعاني منها متاجر التجزئة التقليدية ليشمل شركات التجارة الإلكترونية أيضاً.
ويفضل الجيل الجديد من المتسوقين عبر الإنترنت الحصول على فرصة تفحص السلع التي يشترونها عن كثب، لذا غالباً ما يطلبون مجموعة من السلع، ثم يختارون السلع التي يرغبون بالاحتفاظ بها ويُرجعون ما تبقى منها. وقد يؤدي عدم الإلمام الكافي بتطبيقات وتقنيات التسوق والقياسات الدولية للملابس إلى حدوث أخطاء في عمليات الشراء.
وتشير الترجيحات إلى أن عمليات الإرجاع عبر الإنترنت تمثل 30% من عمليات الشراء. ويمثل هذا ضعفين إلى ثلاثة أضعاف النسبة المطبقة على عمليات الشراء في المتاجر التقليدية، ويمكن أن يكون مكلفاً للغاية بالنسبة لشركات التجارة الإلكترونية، والتي يقوم الكثير منها بتطبيق سياسات صارمة على عمليات إرجاع المشتريات واسترداد المبالغ المدفوعة.
ونتيجة لاحتدام المنافسة بين الشركات، يتوقع العملاء حالياً الحصول على خدمات إرجاع مجانية وسهلة الاستخدام عند قيامهم بإرجاع مشترياتهم. ووفقاً لإحصائيات شركة فورتنا المتخصصة بمجال التصميم والبناء، أشار 73% من المتسوقين إلى أن تجربة إرجاع المشتريات تؤثر على رغبتهم بالشراء مجدداً من شركة معينة.
سبل تحقيق الاستفادة المثلى من التحديات المرتبطة بإعادة المشتريات:
1) توفير خدمات إرجاع مجانية، وإطالة فترات الإرجاع. ويقدم ذلك رسالة إيجابية إلى العملاء، حيث تشير الدراسات إلى أن إطالة فترة إرجاع المشتريات يمكن أن يسهم فعلياً في خفض حالات الإرجاع، حيث تؤدي فترات الإرجاع القصيرة، التي تمتد لأسبوعين على سبيل المثال، إلى شعور العملاء بالخوف من إمكانية عدم استرداد أموالهم، مما يدفعهم إلى إعادة المشتريات بسرعة، بينما تمنحهم فترات الإرجاع المطوّلة الفرصة للتفكير ملياً، والاحتفاظ بتلك المشتريات في معظم الأحيان.
2) تسهيل عمليات إرجاع السلع بالنسبة للعملاء من خلال استخدام ملصقات الشحن مسبقة الدفع والصناديق القابلة لإعادة الاستخدام في عمليات التوصيل، إلى جانب الاستعانة بخدمات التوصيل السريع التي توفرها شركات النقل العالمية المتخصصة بتقديم الخدمات اللوجستية في قطاع التجارة الإلكترونية.
3) توضيح سياسة الإرجاع على الموقع الإلكتروني عند إجراء عمليات الشراء.
4) يتعين على الشركة عند ارتكاب أخطاء في عمليات الشراء والتوصيل لأي سبب كان، الاعتذار إلى العملاء وتزويدهم بحسومات في عمليات الشراء التالية أو القيام بتبديل السلع المشتراة مجاناً.
5) رد مبالغ السلع المرتجعة على الفور، أو تقديم قسائم لإجراء عمليات شراء أخرى على الموقع الإلكتروني.
6) زيادة مستويات الكفاءة من خلال الاستعانة بمصادر خارجية توفر خدمة إدارة المرتجعات، والتي يمكن أن تتيح عنواناً محلياً للسلع المرتجعة في العديد من الدول، وتستقبل السلع المرتجعة بالنيابة عن الشركة، وتفحصها وتصنفها وتجمعها تمهيداً لإعادتها إلى الشركة بكميات كبيرة لخفض تكاليف الشحن.
7) توفير خيار الشراء عبر الإنترنت وإرجاع المشتريات في المتجر إن أمكن. ويمكن أن يؤدي هذا الخيار إلى تعقيد عمليات التدقيق إذا لم تتم إدارته بشكل جيد، لكن العملاء يفضلون هذا الخيار (بنسبة 87% بحسب إحصائيات شركة آي بي إم)، والذي قد يدفعهم لشراء سلع أخرى عند قدومهم إلى المتجر لإعادة المشتريات.
المسؤولية لا تنتهي عند صفحة تسجيل الخروج
انقضى الزمن الذي يخلي فيه تجار التجزئة مسؤوليتهم بعد قيام العملاء بالدفع، حيث ساهمت أزمة كوفيد-19 بتغيير العلاقة بين المشتري والمورّد، وأصبح المتسوق اليوم في موقع القوة أكثر من أي وقت مضى.
ويخاطر تجار التجزئة الذين يخفقون بإثارة إعجاب العملاء من خلال تزويدهم بأفضل تجربة ما بعد البيع بخفض معدلات الزيارة لقنواتهم الإلكترونية الخاصة بالبيع، وتحوّل عملائهم بشكل جماعي نحو منافسيهم الذين يركزون بشكل أكبر على تجربة العملاء.
لكن التميز بتوفير تجربة ما بعد البيع ليس صعباً، ويتطلب فقط إحداث تغيير طفيف في أنماط التفكير، ورغبةً بتجاوز المفاهيم التقليدية المرتبطة بتبادل السلع مقابل المال. ونتطلع من خلال هذه النصائح والتوصيات إلى تزويدكم ببعض الأفكار لتحقيق النجاح في قطاع التجارة الإلكترونية، والتي تتيح تقديم تجربة متميزة لعملائكم في مرحلة ما بعد البيع.