شحن المنتجات الصيدلانية في دول مجلس التعاون الخليجي
تعتبر عمليات تسليم المنتجات الصيدلانية عمليات محفوفة بالمخاطر في أي مكان في العالم وبالأخصّ في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية أو أكثر.
ازدادت شعبية عملية توصيل آخر ميل للسلع الدوائية (من الصيدلية إلى المستهلك) في دول الخليج العربي تبعاً لازديادها في العالم ككل، ازديادٌ سببته جائحة فايروس كورونا.
مع ذلك، يعد هذا النوع من النقل أكثر صعوبة مقارنة بأي شكل آخر من أشكال التوصيل، بالإضافة إلى حاجته للتخطيط المكثّف.
ومع توقع وصول صناعة الأدوية البيولوجية حول العالم إلى رقم خيالي يقارب1.173 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030 ، تلوح رهانات عالية الخطورة في الأفق.
ستكون المكاسب عالية بالنسبة لشركات الشحن التي تفهم قواعد اللعبة بالشكل صحيح، أما بالنسبة للشركات التي لن تتفهم المتغيرات الجديدة فسيكون بانتظارها الكثير من الخسائر التي قد تصل إلى مواجهة دعاوى قضائية.
لذلك من الضروري أن يصبح مزودو خدمة الشحن المحتملون على دراية وثيقة بالقواعد والتحديات المرتبطة بنقل المنتجات الصيدلانية قبل البدء بعملياتهم، حيث أن التسليم في الميل الأخير يواجه عقبات محددة.
تحديات شحن المنتجات الصيدلانية في دول مجلس التعاون الخليجي
تقدر فرصة سوق الأدوية في دول مجلس التعاون الخليجي الحالية بنحو 20 مليار دولار أمريكي ، حيث تمثّل المملكة العربية السعودية حوالي نصف حصة السوق.
يتطلب شحن الأدوية وتوصيلها معرفة تخصصيّة لأن هذه المنتجات عالية الحساسية وغالباً ما تكون باهظة الثمن.
فيما يلي بعض العقبات التي يجب على شركات النقل مواجهتها عند تخطيط عملياتهم:
١. التحكم بدرجة الحرارة:
الحرارة هي العدو الأول للمنتجات الصيدلانية، ففي معظم أنحاء العالم، يجب نقل المنتجات الصيدلانية بدرجة حرارة الغرفة المضبوطة، أي 15-25 °مئوية.
في غالبية الدول حول العالم، يمكن استخدام طرق الشحن الاعتيادية لنقل معظم الأدوية التي يتم حفظها بدرجة حرارة الغرفة العادية.
لكن الوضع يختلف في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يعد التبريد أمراً ضرورياً، سواءً كان ذلك بواسطة مقطورات يتم التحكم بدرجة حرارتها، بطانيات حرارية، عبوات ثلجية، أو مادة متغيرة الطور (PCM).
نسبياً، القليل فقط من المنتجات تتطلب نقل طبي عالي البرودة (2-8° مئوية)، وعدد أقل حتى يتطلب النقل باستخدام سلسلة التبريد (-20° مئوية) ... عادةً يتم التعامل مع المنتجات التي تندرج ضمن هذه الفئات على أيدي خبراء سلسلة التبريد (راجع قسم “أساسيات سلسلة تبريد الأدوية“ أدناه).
٢. التعبئة والتغليف:
بينما يمثل التحكم في درجات الحرارة المعضلة الأكبر لشركات النقل، فإن التعبئة والتغليف تأتي في المقام الثاني مباشرةً، وتتعرض الكثير من المنتجات للتلف في غضون ساعات من الشحن بسبب تصاميم التعبئة والتغليف الرديئة واختيار التغليف الخاطئ.
شهد الطلب المتزايد على توصيل المنتجات الصيدلانية انطلاقاً ضخماً في أعمال التعبئة والتغليف التخصصيّة، لاسيما في المملكة العربية السعودية، حيث تقدر قيمة السوق الآن بحوالي 3.704 مليار دولار أمريكي ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4.84 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026.
تشمل المواد الأولية المستخدمة في تعبئة تغليف المنتجات الدوائية ما يلي:
- بلاستيك
- زجاج
- كرتون
- ورق ألمنيوم
أما أكثر الطرق المستخدمة للتعبئة تشمل: المواسير – القوارير – الأمبولات – المحاقن – الظروف – الأكياس
٣. سرعة التسليم:
تتمتع بعض المنتجات الصيدلانية بفترة صلاحية كبيرة جداً، لكن البعض الآخر (مثل البلازما ومعظم لقاحات Covid-19) يجب استخدامها في غضون ساعات بمجرد إزالتها من الثلاجة أو المجمِّدة، وقد تؤدي الاختناقات المرورية والأعطال والتأخيرات الأخرى إلى إتلاف المنتج عند الوصول.
تزداد أهمية التوصيل في اليوم نفسه أو في اليوم التالي للوصفات الطبية والأدوية المنقذة للحياة عند التوجه نحو المستحضرات الصيدلانية التي تركز على المريض.
٤.التتبع:
يعد تتبع الطرد من لحظة مغادرته الصيدلية حتى وصوله إلى باب العميل جزءاً أساسياً من توصيل الأدوية في الميل الأخير، حيث يتم تتبع حركات السائق مباشرة بالتزامن مع تتبع درجة حرارة حفظ الدواء طوال عملية التسليم، كما يتم تشغيل الإنذارات إذا تقلّبت درجات الحرارة خارج المؤشرات المحددة.
٥.الحماية من السرقة:
إن العقاقير التي لا تصرف إلا بموجب وصفة طبية (وخاصة المواد الأفيونية والمنشطات والبنزوديازيبينات) مطلوبة بشدة من قبل المجرمين ومتعاطي المخدرات وتحمل عامل خطر كبير من حيث تعرضها للسرقة، في حين أنه من المحتمل أن يكون لدى المستودعات إجراءات أمنية مشددة، فإن معظم السرقات تحدث عندما يكون المنتج قيد النقل - مما يجعل التسليم أكثر صعوبة والحاجة إلى الاحتفاظ بسجلات دقيقة أمراً ضرورياً.
المتطلبات القانونية لشحن الأدوية في دول مجلس التعاون الخليجي
نظراً لأن الشحن الدوائي محفوف بالمخاطر، فإن الصناعة الدوائية تخضع للتنظيم الشديد في جميع أنحاء العالم.
تلعب اللجنة الخليجية المركزية لتسجيل الأدوية (CGC-DR) دوراً إشرافياً هاماً في دول الخليج، وتمتلك لوائح صارمة لشحن الأدوية إلى المنطقة.
يعد هذا الأمر مهماً بشكل خاص لأن دول الخليج تستورد 80٪ من منتجاتها الصيدلانية - معظمها من الولايات المتحدة وأوروبا وبشكل متزايد من الهند التي أصبحت مصنعاً عالمياً كبيراً للأدوية الجنيسة (المكافئة).
يمكن أن يؤدي الجهل بالمتطلبات القانونية المعقّدة التي تطلبها اللجنة الخليجية المركزية لتسجيل الأدوية (CGC-DR) إلى تأخير المنتجات الحسّاسة للوقت في الجمارك أو حتى رفضها.
من بين هذه المتطلبات الرئيسية:
- وثائق بلد المنشأ (COO): بالنسبة للواردات من الولايات المتحدة الأمريكية يعد الأمر بسيط نسبياً، نظراً لأنها بلد واحد.
ولكن بالنسبة لواردات الاتحاد الأوروبي، قد يكون الأمر أكثر تعقيدًا نظراً لأنه يمكن مشاركة أكثر من دولة داخل كتلة الاتحاد الأوروبي في عملية التصنيع.
- شهادة ممارسات التوزيع الجيدة (GDP): تطلب جميع شركات الأدوية في الاتحاد الأوروبي التي ترسل منتجاتها إلى دول مجلس التعاون الخليجي هذه الشهادة التي تضمن الالتزام بمعايير السلامة والأمن التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
- التسجيل لدى السلطات: يجب أن تكون جميع المنتجات الصيدلانية مسجلة لدى وزارات الصحة ذات الصلة أو الهيئات المنظمة للدواء في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.
لدى المصنعين الأجانب خيارين لتجارة وتوزيع المنتجات الصيدلانية في دول مجلس التعاون الخليجي:
تأسيس شركة محلية.
- تعيين شريك محلي أو وكيل محلي للحصول على الموافقات اللازمة للتجارة والتوزيع والإعلان عن المنتج.
أساسيات سلسلة التوزيع الباردة لنقل المنتجات الصيدلانية
من المقدر أن يصل حجم سوق سلسلة التوزيع الباردة العالمي إلى 340.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025 ، مما يدل على أهميته المتزايدة ويسلط الضوء على حاجة شركات الشحن إلى توخي الحذر الشديد في جميع مناحي سلسلة التوريد، حيث يمكن لأصغر التقلبات في درجات الحرارة التأثير على فعالية المنتج الصيدلاني، أو حتى تدميره تماماً.
هذا بدوره يجعل التعبئة باستخدام سلسلة التبريد أمراً بالغ الأهمية في كل خطوة ابتداءً من التصنيع، مروراً بالنقل والتخزين، وانتهاءً بتسليم العميل.
من الضروري القيام بعمليات التنظيف والصيانة بشكل دوري لجميع الشاحنات المبردة أو المعزولة –باستطاعة أي فشل في نظام تبريد الشاحنة تدمير حمولة بقيمة آلاف الدولارات. كما يجب أيضًا صيانة مرافق التخزين البارد في المستودعات ومراكز التوزيع الأخرى بشكل جيد، مع وجود مصدر كهرباء احتياطي جاهز للتشغيل في حالة انقطاع التيار الكهربائي.
خلال العملية اللوجستية، يجب أن تكون جميع وحدات التبريد مجهزة بأجهزة إنذار تنشط عندما تتقلب درجات الحرارة بشكل كبير للغاية. هذا مهم بشكل خاص أثناء تسليم المنتج في الميل الأخير.
المواد محظورة
إن جميع دول مجلس التعاون الخليجي هي من بين الدول الموقعة على العديد من الاتفاقيات العالمية بشأن المؤثرات العقلية والمواد المخدرة، بهدف القضاء على الاتجار بالمخدرات وضمان استخدام هذه الأدوية الضارة للأغراض الطبية والعلمية فقط.
بالإضافة إلى ذلك، قامت كل دولة بإدراج الأدوية والعقاقيرالأخرى التي لا يجوز استيرادها أو تصنيعها أو نقلها داخل المنطقة.
على سبيل المثال، لدى الإمارات العربية المتحدة قائمة من 70 دواء غير مصرح به ، في حين تصل قائمة المملكة العربية السعودية إلى المئات .
تسليم الأدوية في الميل الأخير
يتزايد الطلب على عمليات تسليم الأدوية بشكل أسرع وأكثر كفاءة في جميع أنحاء العالم، مدفوعاً بجائحة كورونا وزيادة الصيدليات الإلكترونية المتاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتوقعات التسليم في نفس اليوم.
لهذا التطور في سوق الرعاية الصحية تأثير مباشر على تسليم المستحضرات الصيدلانية في الميل الأخير، والذي يقدر بحوالي 40% من التكاليف اللوجستية لتجار الأدوية بالجملة.
ومن ثم جاءَ أمازون…
رفع أمازون المعايير عند إنشاءه "صيدلية أمازون" في تشرين الثاني 2020، الصيدلية الإلكترونية التي توزع الأدوية مباشرة على المرضى، في إطار مبادرتها "Amazon key in-fridge"، يتم تسليم الأدوية الحساسة لدرجات الحرارة مباشرة إلى ثلاجة المريض.
في بعض البلدان – مثل سويسرا على سبيل المثال – تُستخدم الطائرات بدون طيار لتوصيل البلازما والأدوية والمنتجات الصيدلانية الحيوية إلى المستشفيات والمختبرات.
في الإمارات العربية المتحدة، تزايد عدد الصيدليات التي تقدم خدمات توصيل الأدوية بشكل كبير والمعدات الطبية والوصفات الطبية إلى منزل.
يستفيد من هذا الاتجاه الرائج مزودي خدمات التوصيل ذوي التفكير المستقبلي، على سبيل المثال، تختص شركة Shipa Delivery في الخدمات اللوجستية عند الطلب للمنتجات الصيدلانية وتقدم التسليم في غضون ساعة، حيث يقوم السائقون بنقل البضائع في أكياس تبريد مزودة بأكياس ثلجية، ويراقبون درجة حرارة المحتويات باستمرار باستخدام موازين الحرارة الموجودة في أكياس التوصيل.
لتحافظ شركات الأدوية التقليدية على مواقعها، تحتاج إلى التكيف بالطرق التالية:
الاستثمار بشكل كبير في ترقيات التكنولوجيا، مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي والأتمتة.
اختيار شركاء التوصيل للميل الأخير ذوي الأنظمة المتقدمة التي تتضمن القدرة على تتبع السائق والمنتج أثناء عملية التسليم بأكملها.
عليك النظر إلى أين تطأ قدمك قبل الدخول إلى سوق الأدوية
إذا كنت تخطط للدخول في مجال تقديم المنتجات الصيدلانية (وخاصة عمليات تسليم المنتجات الصيدلانية في الميل الأخير)، تأكد من إجراء بحث مفصل حول جميع نواحي هذه الصناعة دائمة التطور، لأنه من المؤكد أن مستقبل خدمة توصيل الأدوية مشرق جداً، لكن في الوقت ذاته، إن الطريق نحو هذا المستقبل مليء بعقبات كثيرة ومتنوعة لا يمكن التنبؤ بها... وثمن الأخطاء في هذا المجال عال جداً.