الحدود البرية في الشرق الأوسط معضلة التجارة الإلكترونية
يحمل مستقبل التجارة الإلكترونية العابرة لحدود منطقة الشرق الأوسط الكثير من الأمل، حيث يسعى المستهلكون بشكل متزايد إلى الحصول على تجارب تسوق مريحة وبأسعار معقولة من خلال الإنترنت. إلا أن هناك بعض العقبات التي تواجه هذه التجارة وعلى دول المنطقة وحكوماتها وتجار التجزئة فيها التغلب عليها. وتشكل بيروقراطية المراكز الحدودية أقوى مثال لتلك العقبات. حيث تؤدي أوجه القصور المادية والتنظيمية إلى عرقلة تدفق الشحنات التجارية إلى المنطقة وعبر حدود دولها المتعددة.
إلى حد ما، تعكس المشاكل تلك التي واجهتها أماكن أخرى حيث يغير نمو التجارة الإلكترونية ديناميات الشحن الدولي. ومع ذلك، عندما يجتمع توسيع التجارة الإلكترونية مع عمليات المراكز الحدودية الآخذة في القدم والتي عفا عليها الزمن، يمكن أن تكون النتيجة غير مشجعة لجميع شركات البيع بالتجزئة الأكبر والأكثر مرونة.
دول مجلس التعاون الخليجي تحت أضواء البنك الدولي
يتضمن تقرير ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي مقياساً لسهولة التجارة عبر الحدود مع 190 دولة. يحسب التقرير الوقت والتكلفة المرتبطة لتخليص الشحنات المستوردة في المراكز الحدودية.
يفترض لاحتساب كلفة "التجارة عبر الحدود" شحنة واردة تبلغ 15 طناً مترياً قيمتها 50 ألف دولار، يتم شحنها من مصدّر تتعامل معه البلد لسلعة معينة.
توضح المقارنة التالية لنتائج دول مجلس التعاون الخليجي مقابل الولايات المتحدة الأمريكية لماذا تحتاج التجارة عبر الحدود مع دول الخليج إلى بعض المساعدة إذا ما تم تشجيع التجارة الإلكترونية:
• في الولايات المتحدة ، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود ساعة ونصف والتكلفة 175 دولاراً.
• في البحرين، يزيد المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود عن يومين وتكلفتها 397 دولاراً.
• في الكويت، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود 4 أيام تقريباً وتكلفتها 491 دولاراً.
• في عُمان، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود 3 أيام وتكلفتها 394 دولاراً.
• في قطر، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود يومان وتكلفتها 558 دولاراً.
• في السعودية، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي بالحدود 9 أيام ونصف وتكلفتها 779 دولاراً.
• في الإمارات، تبلغ المدة اللازمة للتخليص الجمركي حوالى يومان وتكلفتها 678 دولاراً.
سوق صعبة للتجارة الإلكترونية عبر الحدود
توضح النتائج التي توصل إليها البنك الدولي صعوبة التبادل مع مجموعة اسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الرغم من التطلعات التي تطمح للوحدة الجمركية، فإن التباين في الكفاءة والتكاليف بين مراكز دول مجلس التعاون الحدودية كبير.
بالنسبة للمصدرين من خلال التجارة الإلكترونية، فإن ترف التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي كسوق واحدة لم يصل بعد.
في الواقع، وفقاً لما ذكره Unnikrishnan Kurup ، المدير العام في وكالة Service Plan الإعلامية، تعتبر العمليات الجمركية في دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة "كابوس بيروقراطي" لتجار التجزئة على الإنترنت. تحذر شركة Practicology لاستشارات التجارة الإلكترونية من أن الطلبات التي يتم شحنها من تجار التجزئة في الخارج قد تستغرق حرفياً أسابيع للتخليص الجمركي في الشرق الأوسط.
أين يكمن التعطيل بالتحديد؟
مجموعة من المعيقات عند الحدود
إنها ليست مشكلة واحدة فقط، فهي مجموعة واسعة من العوائق المادية والبيروقراطية التي تعرقل الشحنات الدولية إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وثلاثة منها تستحق تسليط الضوء عليها:
• اختلاف المستندات والشهادات المطلوبة لكل دولة: في المتوسط، يتطلب تخليص حاوية عبر جمارك الإمارات العربية المتحدة إستخراج ست وثائق مختلفة، ويرتفع هذا العدد إلى 12 وثيقة عند الحدود السعودية.
• التفتيش المادي على البضائع من قبل الجمارك: على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، 80% من الحاويات الواردة إلى موانئها يقوم مسؤولو الجمارك شخصياً بتفتيشها بنسبة 100% من محتوياتها. من الممكن أيضاً أن تخضع الشحنات التي تعبر حدوداً برية متعددة داخل دول مجلس التعاون الخليجي للتفتيش الجمركي في كل معبر حدودي، على الرغم من أن هذه الممارسة تتعارض مع روح الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي.
• لا يوجد توحيد لتراخيص وأذونات الاستيراد: فقد يتطلب المنتج الذي يمكن استيراده دون قيود إلى إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي الخليجي ترخيصاً أو إذناً في دولة أخرى.
إن تعقيد لوجستيات التجارة الإلكترونية لكل من شركات الشحن في الخارج والعاملين في المنطقة يرجع إلى مشاكل وقلة كفاءة في عمل مراكز الحدود ويمكن ذكر بعضا منها كما يلي:
• الافتقار إلى أتمتة الإجراءات؛ • لا توجد عمليات المسار السريع لشاحنين منتظمين لشحنات منخفضة القيمة والمخاطر؛ • القيود الصارمة التي تؤثر على مشغلي النقل البري فيما يتعلق بالتحركات بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ • قد لا تقوم شركات النقل بشحن شحنات B2C الصغيرة عبر الحدود الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن يجب عليها بدلاً من ذلك شحنها عن طريق الجو، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف شركات الشحن للتجارة الإلكترونية.
تتضافر جميع أوجه عدم الكفاءة هذه لجعل التجارة الإلكترونية العابرة للحدود صعبة، خاصة بالنسبة للمؤسسات التي تحاول اختراق أسواق دول مجلس التعاون الخليجي دون مساعدة من شركاء أثبتوا ثقتهم بمعرفة وخبرة محلية عميقة.
خطوات في الاتجاه الصحيح؟
على الرغم من أن حكومات دول الخليج لم تطبق بعد إجراءات لحل مشاكل مستوردي التجارة الإلكترونية على وجه التحديد ، إلا أنها تعمل على تخفيف أعباء ومعوقات النقل البحري عبر الحدود.
على سبيل المثال ، أدى تدشين العمل بنظام الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2015 إلى إلغاء التعريفات الجمركية على التجارة داخل المنطقة وخلق نقطة دخول واحدة إلى الاتحاد للواردات من الخارج.
من الناحية النظرية، على الأقل، يشير هذا إلى نهاية عمليات التفتيش الحدودية المتعددة، مما يسهل، على سبيل المثال، عبور الواردات من دبي إلى المملكة العربية السعودية.
وبينما لم يتم التوصل إلى اتفاقات ثنائية جديدة للتجارة الحرة منذ بدء طفرة التجارة الإلكترونية، إلا أن الحكومات الفردية تتخذ خطوات لتبسيط العمليات الجمركية. فقد أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخراً أنها حققت نجاحاً كبيراً في تحسين التخليص الجمركي، مشيرة إلى أن 80% من تصاريح الاستيراد يتم الآن تخليصها جمركياً خلال 24 ساعة.
كل العيون منصبة على مستقبل التجارة الإلكترونية لمنطقة الخليج
على الرغم من المعوقات الحدودية، تستمر التجارة الإلكترونية في النمو بسرعة في الشرق الأوسط، حيث لا يوجد تباطؤ في رغبة المستهلكين الشرائية من الخارج. سيبحث تجار التجزئة الذين يتطلعون إلى المنطقة عن علامات توحيد السوق العملية، وليس النظرية. لا تزال الشحنات الفردية الصغيرة هي شريان الحياة بالنسبة لتجارة التجزئة عبر الإنترنت، لذا فإن وجود بيئة جمركية مبسطة أمر ضروري للنمو المطرد والصحي للتجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي.