كوميرسيتي: مستقبل التجارة الإلكترونية في دبي
تمتاز دبي، المدينة المعروفة بتسجيل أرقام قياسية عالمية من أطول مبنى إلى أكبر مركز تجاري، بأهدافها المبتكرة النبيلة: وهي تتطلع إلى أن تصبح أذكى مدينة في العالم. فبعد سنوات من بناء ناطحات السحاب، تحوّل دبي اهتمامها إلى توجيه دفة نموها نحو هدف جديد ومن نوع مختلف.
مدينة التجارة الإلكترونية أو ما أطلق عليها اسم كوميرسيتي CommerCity، هي أول منطقة حرة مخصصة للتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي فكرة تم تعيينها بهدف إحلال الطريقة التقليدية التي يتم بها تنفيذ الأعمال في المنطقة. وقد تم الإعلان عن المشروع المبتكر والديناميكي لأول مرة في أواخر عام 2017 من قبل الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة المنطقة الحرة بمطار دبي (دافزا)، كمشروع مشترك بين دافزا ومجموعة وصل لإدارة الأصول. واختير لبنائها منطقة أم رامول التي تبعد خمس دقائق عن مطار دبي الدولي.
ويهدف إنشاء كوميرسيتي إلى أن تصبح المكان الذي يقوم فيه كبار المصنعين وتجار التجزئة الإقليميين والدوليين بتخزين بضائعهم في مستودعات عصرية مجهزة تجهيزاً كاملاً ومدعمة بالتقنيات الحديثة ومهيأة لعمليات الشحن إلى الأسواق المحلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. وعلى الرغم من أن مفهوم التخزين لا يبدو مغرياً، إلا أن مركزاً فائق التطور للتجارة الإلكترونية الإقليمية هو أمر حيوي للغاية للشركات التي ترغب في سرعة التسويق.
وتحاول بلدان أخرى تنمية مراكز التجارة الإلكترونية الخاصة بها. فبينما تقوم الصين بتجربة مناطق التجارة الإلكترونية العابرة للحدود في المدن الكبرى، تتنافس المدن الأمريكية الكبرى على تقديم خدماتها كبوابات رئيسية ومجموعات للتجارة الإلكترونية. رغم ذلك، وباعتبارها مفهوماً جريئاً، تبرز كوميرسيتي بمزاياها وحوافزها وفي مقدمتها: أنها سوف تكون منطقة حرة بدون ضرائب على الشركات أو الدخل.
سوف تستخدم كوميرسيتي الذكاء الاصطناعي (AI) لتبسيط الخدمات اللوجيستية وستتميز بأتمتة المستودعات وعمليات التسليم. كما أنها تعِد بالحد من العوائق البيروقراطية التي تعقد التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، ومساعدة مراكز البيع الإلكتروني على اجتياز تحديات التوصيل للميل الأخير والتسليم دون التعامل مع اللوائح التنظيمية المكلفة والمستهلكة للوقت. إن المنتجين والموزعين وتجار التجزئة متحمسون لإمكانية إنشاء مركز لوجيستي ومعرفي حديث مع مزايا ضريبية وحلول إيجابية لتعقيدات الجمارك البيروقراطية والمراكز الحدودية المرهقة.
وقال آل مكتوم في معرض كشف النقاب عن المشروع: ” تُعد دبي كوميرسيتي دَفعة جديدة لاقتصاد غير تقليدي قائم على الابتكار والتحول الذكي”.
تتطلع دبي لأن تكون كوميرسيتي مركزاً لنظام بيئي جديد للتجارة الإلكترونية، بحيث تجذب الاستثمارات والابتكار والاقتصاد المعرفي من خلال الجمع بين أحدث البنى التحتية وحوافز المنطقة الحرة والميزات المستدامة والخضراء، والسرعة في إصدار التراخيص التجارية والموافقات. عامل جذب كبير آخر في كوميرسيتي هو أنها ستكون مركزاً لدعم خدمات التجارة الإلكترونية، بوابات الدفع، التسويق ومراكز الاتصال وتطوير الويب والخدمات الأخرى.
وتبلغ تكلفة إنشاء كوميرسيتي حوالى 750 مليون دولار، على مساحة 2.1 مليون قدم مربع، وسوف تشمل مساحات مكتبية ووحدات لوجيستية تغطي مساحة 207,000 متراً مربعاً؛ ومساحات قابلة للتأجير تبلغ 176,000 متراً مربعاً. وبنى تحتية ومواقف السيارات
على مساحات تقدر بأكثر من 220,000 متراً مربعاً مع 4000 مرآب لصف السيارات. يبدأ البناء في النصف الأول من عام 2019 على أن يتم إنجاز البناء بالكامل عام 2021، ووفقاً لمدير أول التسويق والاتصالات المؤسسية، السيد/ عبد العزيز أحمد الحمادي. ستتألف كوميرسيتي من ثلاث تجمعات معنية بالأعمال والخدمات اللوجيستية والاجتماعية.
سوف تستضيف مجموعة الأعمال 13 مبنى للمكاتب، وستضم مجموعة الخدمات اللوجيستية 84 وحدة تبلغ مساحتها الإجمالية 71,000 متراً مربعاً، بينما ستضم المجموعة الاجتماعية: وسائل متطورة للتواصل واكتساب المواهب وتنميتها، معارض فنية ومجموعة من المطاعم والمقاهي الفاخرة. وفي إشارة إلى الاستدامة، فإن المنطقة الحرة حاصلة أيضاً على شهادة LEED وستتضمن أسطح مبانيها ألواحاً شمسية لتوليد طاقة نظيفة.
سباق نحو المستقبل
كان عام 2017 نقطة تحول للتجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. فقد استحوذت Amazon على شركة رائدة في مجال التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال صفقة بقيمة 580 مليون دولار، وتعاونت شركة Noon، وهي شركة للتجارة الإلكترونية يقدر حجم تجارتها بمبلغ مليار دولار، مع شركة eBay العملاقة للتجارة الإلكترونية ومقرها الولايات المتحدة.
تقدر PayFort أن سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف ينمو إلى 69 مليار دولار بحلول عام 2020. ومن المتوقع أن تصل صناعة التجارة الإلكترونية في الإمارات وحدها إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2018، أي بزيادة أربعة أضعاف عن إجمالي 2014 2.5 مليار دولار وفقاً لـ Frost & Sullivan
هذه الأرقام ليست مفاجئة بالنظر إلى إنتشار المعرفة الرقمية بين مواطني مجلس التعاون الخليجي وقوة الاستهلاك والديموغرافيا الشبابية. تعد ملكية الهواتف الذكية في دبي من أعلى النسب في العالم (74 %)، وأكثر من 90 % من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت. وقد خلص تقرير نشر عام 2016 إلى أن ما يصل إلى 80 % من سكان الإمارات العربية المتحدة قد قامت بالشراء من خلال الإنترنت باستخدام الهاتف المحمول.
التجارة الإلكترونية أمر حاسم في رؤية الإمارات للمستقبل. لقد كافحت الحكومة وركزت جهودها للبحث عن النمو خارج قطاع الطاقة التقليدي، والذي كان في خضم تباطؤ الأسعار الذي استمر منذ سنوات وحتى وقت قريب. لم تنس الشركات العالمية التي لها وجود في دبي ما يسمى “العصر الذهبي”، عندما أدت أسعار الطاقة المرتفعة والاستثمار الأجنبي إلى نمو كبير. إن هبوط أسعار الطاقة والحقائق الجيوسياسية الجديدة قد بشرت بعهد أكثر حذراً ورغبة في إيجاد نمو مستدام في اقتصاد أكثر تنوعاً.
وهناك طريقة واحدة للقيام بذلك وهي تبوأ الريادة العالمية في جعل التجارة الإلكترونية سريعة وذات كفاءة عالية وبتكلفة معقولة وفعّالة.