التأثير التدريجي للذكاء الاصطناعي على إدارة سلسلة التوريد
يعد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من التقنيات الرقمية ذات التأثير الجذري(الابتكار المزعزع) التي بدأت في إثارة ضجة في إدارة سلسلة التوريد وتغيير طريقة تصنيع المنتجات وتوزيعها وتسليمها.
إلا أن الدراسات الحديثة قد كشفت أن العديد من الشركات تتباطئ في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد، وحتى الشركات التي تستثمر في هذه التكنولوجيا لا تستفيد من قوتها الكاملة.
سنناقش في هذه المقالة التطبيق الحالي للذكاء الاصطناعي من قبل رواد مديري الخدمات اللوجستية، كما سننقترح طرقاً يمكن من خلالها للتقنيات التنبؤية والتكيفية أن تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير.
بعض التعريفات قبل أن نبدأ
من المفيد تعريف المصطلحات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لإدارة سلسلة التوريد التي سنستخدمها في هذه المقالة لإعطاء المزيد من الدقة
الذكاء الاصطناعي (AI): توظيف أنظمة الكمبيوتر التي يمكنها أداء المهام المرتبطة عادةً بالذكاء البشري مثل الإدراك البصري والتعرف على الكلام واتخاذ القرار.
التعلم الآلي (ML): أحد فروع الذكاء الاصطناعي ويتضمن تطبيق البرامج التي يمكنها التنبؤ بدقة بالنتائج دون أن تتم برمجتها للقيام بذلك.
إنترنت الأشياء (IoT): شبكة من الأشياء المادية مع أجهزة استشعار وبرامج وتقنيات أخرى مدمجة تمكنهم من الاتصال وتبادل البيانات مع الأجهزة والأنظمة الأخرى عبر الإنترنت.
تطبيق الذكاء الاصطناعي في عمليات سلسلة التوريد
على الرغم من أن سلاسل التوريد المدعومة بالكامل بالذكاء الاصطناعي لا تزال قليلة، إلا أن العديد من الشركات تستخدم هذه التقنية المتطورة بنجاح لدعم وتقديم التحسينات التشغيلية التالية:
- مشتريات أكثر ذكاءً باستخدام بيانات لوجستية ذكية
- توقعات أكثر دقة للطلب والعرض والمبيعات
- تحسين مخزون المستودعات
- شحن أسرع وأكثر انسيابية
- تمكين عمليات التسليم الأسرع من خلال تحسين المسار
- تحسينات خدمة العملاء
كيف يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد بشكل أفضل
يؤكد الخبراء الفنيون أن الذكاء الاصطناعي في إدارة سلسلة التوريد يمكن أن يسهل اتخاذ القرار المحسن من خلال توفير رؤية لجميع العمليات والتحليل السريع لكميات هائلة من البيانات.
ومع ذلك، سلطت ثلاثة استطلاعات حديثة الضوء على عدم تطبيق الشركات لتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عام.
1. برايس ووترهاوس كوبرز PricewaterhouseCoopers PwC
وجد استطلاع لسلسلة التوريد أجرته شركة PwC لعام 2022 أن شركة واحدة فقط من كل خمس شركات قد شهدت حتى الآن نتائج إيجابية من الاستثمار في تكنولوجيا سلسلة التوريد.
وكشف الاستطلاع عما يلي:
- السحابة الإلكترونية هي الاستثمار التكنولوجي الرائد من قبل مديري سلسلة التوريد (25%)
- ثاني أكبر استثمار هو في تطوير إنترنت الأشياء (20%)
- المركز الثالث في القائمة هو المسح الضوئي والتقاط البيانات الذكية (18%)
تخلص برايس ووترهاوس كوبرز إلى أنه على الرغم من الاستثمارات الضخمة، فإن العديد من الشركات لم تدرك رؤية سلاسل التوريد التي يديرها الذكاء الاصطناعي. تتضمن هذه الرؤية تحويل سلاسل التوريد إلى كيانات ذاتية التنظيم تتطلب الحد الأدنى من التدخل البشري.
2. مجموعة بوسطن الاستشارية Boston Consulting Group
توصلت دراسة BCG إلى نتيجة مماثلة. وتقول إن معظم الشركات لا تزال تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد للتحليلات والتنبؤ باحتياجات الإنتاج دون أن يروا الصورة الأكبر: استخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات مستقلة من خلال التعرف على الأنماط في البيانات الضخمة.
وجد الاستطلاع أن الاستثمار التكنولوجي في سلسلة التوريد يركز على التنبؤ بالطلب والتتبع والتخطيط والأتمتة - بهذا الترتيب.
3. شركة ماكينزي وشركاؤه McKinsey & Company
أظهرت دراسة أجرتها شركة McKinsey في عام 2021 الفوائد الهائلة لإدارة سلسلة التوريد القائمة على الذكاء الاصطناعي. فيما يلي متوسط التحسينات التي أبلغت عنها الشركات التي استثمرت في الابتكار المزعزع:
- التكاليف اللوجستية: أقل بنسبة 15%
- مستويات المخزون: أقل بنسبة 35%
- مستويات الخدمة: أعلى بنسبة 65%
أشار التقرير إلى أن 61% من المديرين التنفيذيين في التصنيع أبلغوا عن انخفاض التكاليف، و53% أفادوا بزيادة الإيرادات من خلال إدخال الذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد.
ويضيف التقرير: مع ذلك، ما زال معظم رؤساء سلسلة التوريد يديرون سلسلة التوريد من خلال الرد على الأحداث بعد وقوعها - مما يجعلهم عرضة لخطر ما يسمى تأثير السوط.
في المقابل، يمكن لأولئك الذين تبنوا إدارة سلسلة التوريد المدعومة بالذكاء الاصطناعي رؤية المستقبل والعمل على تعزيز العرض لتجنب النقص وتقليل المخزون قبل انخفاض الطلب.
فوائد سلسلة التوريد التي يحركها الذكاء الاصطناعي
لقد ثبت أن الذكاء الاصطناعي في سلاسل التوريد يساعد في تحقيق إمكانات التحسين المطلوبة لتحسين تخطيط السعة ورفع الإنتاجية والجودة وخفض التكاليف مع زيادة المخرجات.
دعونا نلقي نظرة على بعض هذه الفوائد بمزيد من التفصيل:
مشتريات أكثر كفاءة
يبدأ التأثير الإيجابي مباشرة في بداية سلسلة التوريد. تسمح إدارة سلسلة التوريد بالذكاء الاصطناعي في مرحلة الشراء بتكامل البيانات مع الموردين والتحليلات التنبؤية التي تسمح بتحسين اختيار الموردين وخفض الأسعار.
تحسين الإنتاجية
يمكن القول إن أكبر قيمة لاستخدام الذكاء الاصظناعي كموظفي عمليات هي أنهم لا يغادرون العمل في الساعة 5 مساءً أو يصلون متأخرين عن العمل أو يطلبون إجازات أو يأخذون إجازة مرضية. يمكنهم العمل بدون أخطاء لفترات غير محدودة دون التعرض لخطر الحوادث في مكان العمل. باختصار، إنهم الموظفون المثاليين الذين يحلم الجميع بالحصول عليهم.
تحسين القدرة على التخطيط
يمكن للإدارة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي أن تضمن التدفق الصحيح للعناصر داخل وخارج المستودع من خلال معالجة الطلبات والانتقاء والتعبئة الذكية. يمكنها أيضاً التحكم في المخزون من خلال المساعدة في منع عدم كفاية المخزون والتكديس الزائد ونفاد المخزون غير المتوقع.
يمكن للأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة للمساعدة في تحقيق توقعات أكثر دقة للعرض والطلب، كما يمكنهم أيضاً التنبؤ بعادات المستهلك والطلب المستقبلي.
إخراج أكبر، تسليم أسرع
يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تسريع إجراءات المستودعات مع تقليل الأخطاء والاختناقات المرتبطة بالجهود اليدوية. هذه العوامل تجعل عمليات المستودعات أكثر ذكاءً وسرعة، مما يسهل سرعة التسليم ويزيد من رضا العملاء.
رؤية شاملة وتامة
أصبحت شبكات التوريد معقدة بشكل متزايد لدرجة أن الشركات المصنعة تحتاج إلى رؤية كاملة لسلسلة القيمة بأكملها. يوفر النظام الأساسي الآلي المعرفي تحليلات البيانات التي تسلط الضوء بسرعة على الاختناقات والأسباب والتأثيرات وفرص التحسين.
فكر في الأمر: يمكن للعمليات التي يحركها الذكاء الاصطناعي أن تفحص كميات هائلة من المعلومات المتناثرة لاكتشاف الأنماط. حاول جعل الدماغ البشري أو أنظمة سلسلة التوريد التقليدية تتناسب مع براعة التعلم الآلي وستشعر بالفرق في الأداء بشكل فوري.
تحسين إدارة الأسطول
إذا كان لدى مراقبي الحركة الجوية واحدة من أكثر الوظائف إرهاقاً في العالم، فما بالك بمديري الأساطيل الذين لا تختلف وظيفتهم كثيراُ عن مراقبي الحركة الجوية بالإضافة إلى أنهم يجب أن يتعاملوا مع الظروف المتغيرة باستمرار على الأرض.
الخبر السار لمديري الأساطيل هو أن الذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية ينشر أجهزة تتبع توفر رؤى في الوقت الفعلي للطرق المثلى والاختناقات وإغلاق الطرق غير المتوقع وحوادث المرور وغيرها من عوائق النقل البري.
بعض الأمثلة على الذكاء الاصطناعي في العمل في سلسلة التوريد
الآن بعد أن نظرنا في ما يمكن أن تحققه أنظمة الذكاء الاصطناعي، دعونا نستكشف بعض التطبيقات العملية لهذه التقنيات المتقدمة.
الذكاء الاصطناعي في المستودع
فيما يلي سيناريو نموذجي لما يجري في مستودع أو مركز توزيع مؤتمت:
- بمجرد دخول البضائع إلى مركز التوزيع، تتم مراقبتها وتحليلها بواسطة برنامج يعمل بالذكاء الاصطناعي.
- يقارن النظام هذه المعلومات ببيانات المخزون التاريخية.
- يحدد النظام طريقة التخزين والموقع الأمثل باستخدام الخوارزميات.
- يقوم النظام بعد ذلك بتعيين مهام الانتقاء والتعبئة للروبوتات ويخصص فترات زمنية لكل مهمة.
- يقوم النظام بتعيين المهام لموظفي المستودعات، مما يضمن التعاون الوثيق بين الإنسان والآلة.
الذكاء الاصطناعي في إدارة الإمدادات الغذائية الطازجة
يدرك مديرو الإمدادات الغذائية الطازجة أن المنتجات التي يتعاملون معها لها فترات صلاحية قصيرة وقابلة للتلف. يحدث تلف المواد الغذائية عادةً أثناء التوزيع والاستهلاك. بالنسبة لهؤلاء المدراء، يعد تحقيق التوازن الصحيح بين القليل جداً والكثير جداً من المنتجات عاملاً حاسماً في تحديد الأرباح النهائية للشركة.
لحسن الحظ يعد التنبؤ بالطلب أحد أكثر استخدامات الذكاء الاصطناعي شيوعاً في تخطيط سلسلة التوريد. تستخدم العديد من الأنظمة الأساسية المتاحة خوارزميات التعلم الآلي لتحديد أنماط الطلب.
بمرور الوقت ومع تحول المزيد والمزيد من مديري سلسلة التوريد الغذائي إلى منصات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلب، سيتم تقليل الكم الهائل من الهدر الغذائي التي تحدث على مستوى العالم - وستزداد أرباح الشركة.
الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار
في حين أن العديد من الشركات تستخدم منصات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلب وإدارة المخزون، فإن القليل منها يستخدم التقنيات المتاحة لاتخاذ قرارات الشركة.
بالطبع لدى هذه الشركات كل الحق في أن يكونوا حذرين لأن هذا العالم التكنولوجي الجديد للنقل المستقل وطائرات التوصيل بدون طيار والروبوتات المتنقلة قد بدأ للتو في الظهور.
ومع ذلك، تقوم الشركات ذات الرؤية المستقبلية ببرمجة منصات الذكاء الاصطناعي للقيام بما يلي:
- تحليل كيف أثرت القرارات السابقة على أهداف معينة مثل تكلفة الخدمة ومستويات الخدمة.
- استخدام هذه الأنماط التاريخية للتوصية باستجابات لمواقف جديدة ولكن مماثلة.
- تقديم ملاحظات لعلماء البيانات حول طرق تحسين النظام الأساسي.
- تحليل البيانات في الوقت الفعلي لاتخاذ قرارات متكررة للحصول على الأداء الأمثل - دون أي مشاركة بشرية.
- بمرور الوقت، تتطور المنصة بشكل متكرر نحو زيادة صنع القرار الآلي مع تقليل التدخل البشري.
عيوب استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة سلسلة التوريد
تعمل إدارة الذكاء الاصطناعي، كما أوضحنا، على تحسين الكفاءة بشكل كبير وتقليل التكاليف عند تطبيقها على سلسلة التوريد. لماذا لا يسارع إذاً مديرو سلسلة التوريد لتسخير هذه الآلات الرائعة؟
هناك أربعة أسباب وجيهة - كلها متعلقة بالتمويل.
تكلفة التركيب العالية
عادةً ما تتضمن الأجهزة المتخصصة اللازمة للوصول إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة من الشركة. غالباً ما يجد مديرو سلسلة التوريد في الشركات الأصغر صعوبة في تبرير مثل هذا الإنفاق للمدراء التنفيذيين في الإدارة العليا.
استهلاك الكثير من عرض النطاق الترددي
عادةً ما تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي التخزين السحابي وتتطلب نطاقاً ترددياً واسعاً - ومكلفاً - لتحقيق الأداء الأمثل.
خبرات متخصصة لدى المديرين
تعد إدارة سلسلة التوريد القائمة على الذكاء الاصطناعي أمراً مستحيلاً بدون فريق خاضع لتدريب متخصص. وهذا ينطوي على استثمار كبير في الوقت والموظفين لا تستطيع العديد من الشركات الصغيرة تحمله.
تكاليف صيانة مرتفعة
تتكون الآلات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من شبكة معقدة من المعالجات الفردية، وكلها تحتاج إلى صيانة وربما استبدال من وقت لآخر. التكاليف المرتبطة كبيرة وتؤثر بشكل مباشر على التكلفة الإجمالية لملكية هذه الأنظمة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في إدارة سلسلة التوريد
لدى عدد من الخبراء سلسلة التوريد شكوكاً حول تحول سلاسل التوريد التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى معيارعالمي في غضون بضع سنوات.
سيتعين على المديرين الذين يهدفون إلى تنفيذ أفضل العمليات في مجالهم أن ينتقلوا بشكل متزايد إلى التقنيات التنبؤية والتكيفية التي تستفيد من التعلم الآلي وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
من المفروغ منه بأن هذه التقنيات المزعزعة ستحدث أكبر التغييرات في إدارة سلسلة التوريد العالمية والإقليمية والمحلية منذ أن أنشأت Microsoft تطبيق جداول بيانات Excel في عام 1985.
تعرف الشركات الذكية ذلك وهي تتبنى التغييرات. أما الشركات التي تتجاهل إدارة سلسلة التوريد القائمة على الذكاء الاصطناعي ستعاني بشكل متزايد من صعوبات تشغيلية حتى تدرك خطأها، فإما تتكيف أو تفقد مكانها في عالم الأعمال.