يوم من حياة عامل توصيل الميل الأخير
توصيل الميل الأخير: من وجهة نظر عاملي التوصيل
نصادفهم باستمرار، يشقّون طريقهم بين السيارات على دراجاتهم النارية أو في شاحناتهم بأقصى سرعةٍ لديهم؛ لتوصيل الطرود، والملابس، والأدوية، والعديد من المنتجات الأخرى للعملاء الذين يتنظرون بفارغ الصبر. هؤلاء هم عاملو توصيل الميل الأخير الذين يجوبون مختلف الطرقات في منطقة الخليج العربي، ومع التزامٍ كامل باتفاقياتٍ صارمة؛ لضمان تجربةٍ مميزةٍ للعملاء.
وظيفتهم ليست بتلك السهولة، بل إنها مليئةٌ بالتحديات، من ازدحام المرور، والظروف الجوية إلى مواعيد التسليم المستعجلة، والأعطال المفاجئة، إذ إن أكبر تحدي يواجههم هو التكيّف مع المتطلبات اللوجستية المتغيرة لتلبية توقعات العملاء.
للتعرّف أكثر على واقع خدمة توصيل الميل الأخير في الإمارات؛ تحدثنا مع عددٍ من عاملي توصيل Shipa Delivery حول روتينهم اليومي، وأبرز الصعوبات التي يواجهونها في عملهم.
كلماتٌ من السائق نفسه
"مصدق"
(سائق شاحنة لدى Shipa، يعمل ضمن خدمة التسليم في اليوم نفسه)
روتيني اليومي
يبدأ يومي عند الوصول إلى مستودعنا في الساعة 11:00 صباحاً، حيث ألتقي بالمشرف أو مدير النقل؛ لمراجعة جدول التسليم اليومي، ومناقشة أيّ تحديثاتٍ مهمة. بعدها نراجع خطة التسليم، ومسارات الطرق عبر تطبيق Shipa Delivery، ثم أبدأ تحميل الطرود في الشاحنة وفقاً لمسار التسليم المحدد.
أنطلق في أولى جولات التوصيل عند الساعة 11:30 صباحاً، إذ أعتمد على تطبيق Shipa Delivery لتنظيم وإتمام جميع مهامي، من تحديث حالات التوصيل إلى توثيق عمليات التسليم. أما خلال فترة ما بعد الظهر، أرجع إلى المواقع المخصصة لاستلام طرودٍ جديدة، حيث أعمل على تسجيلها، وتصنيفها، وبعدها أواصل عمليات التسليم.
عند حلول المساء أعود إلى المستودع، وأبدأ بإفراغ أي مرتجعاتٍ أو طرود، وأتأكد من أن الشاحنة نظيفةٌ وجاهزةٌ لليوم التالي. أخيراً، أُنهي يومي بإتمام أي أوراقٍ مطلوبة.
تحدياتي اليومية
أصعب التحديات التي تواجهني خلال عملي هي تحديد وجهة التسليم، وذلك بسبب العناوين غير الصحيحة أو الدقيقة وغير المكتملة التي يقدمها العملاء. إضافةً إلى أن الازدحام المروري في المدن يُمكن أن يسبب تأخيراً كبيراً في التوصيل بالموعد المحدد، خصوصاً خلال ساعات الذروة. كما أن العثور على مكانٍ لركن السيارة بالقرب من موقع التسليم يمثل تحدياً أيضاً، خاصةً في المناطق المزدحمة أو الأحياء ذات المساحات الضيقة.
ما الذي يجعل وظيفتي ذات قيمة وأهمية؟
بصفتي عامل توصيل، فإنني مررت بالعديد من التجارب المميزة، ولكن هناك موقفٌ واحدٌ لا يمكن نسيانه.
حدث ذلك في إحدى الأمسيات، إذ كان عليّ إيصال طردٍ مستعجلٍ لأحد العملاء، وعندما وصلت إلى العنوان المحدد، سلمتُ الطرد لامرأةٍ شابة، وبمجرد رؤيتها وصول الهدية التي تنوي تقديمها لزوجها في ذكرى زواجهما، ارتسمت على وجهها معالمُ الفرح والبهجة، حيث أخبرتني بمدى القلق الذي راودها خوفاً من عدم وصولها في الوقت المناسب.
هذه السعادة التي شعرتْ بها عند استلام الطرد في الوقت المحدد جعلت يومها مميزاً، وكذلك يومي؛ لأنني ساهمت في نجاح يومهما الخاص.
يومٌ مليءٌ بالتحديات
كان ذلك في أحد الأيام المليئة بالضغط، والحاجة لتوصيل العديد من الطرود، يومها تلقيت طرداً يتطلب الدفع نقداً عند التسليم (COD)، ويجب توصيله إلى موقعٍ بعيد. كان الوقت قد تأخر قليلاً وتجاوز فترة بعد الظهر، ومازال لدي المزيد من الطرود التي يتوجب عليي تسليمها.
أبلغت مشرفي بأن هذا التسليم على مسافةٍ بعيدة، وحتماً سوف يؤدي إلى بعض التأخير في مهامنا، إلا أنه أصرّ بشدةٍ على إعطاء الأولوية لهذا الطرد؛ نظراً لأن العميل كان مسافراً. عندها انطلقتُ بصعوبةٍ في الازدحام المروري للوصول إلى العنوان البعيد، وبالفعل استلمت المبلغ، وأنجزتُ مهمة التوصيل، ثم عدتُ بسرعةٍ لاستكمال مساري.
المسافة الطويلة والضغط الذي تعرضت له أدى إلى وصول الطرد متأخراً إلى العميل؛ مما زاد من الشعور بالإرهاق والإحباط، وسلّط الضوء على صعوبة تحقيق التوازن بين رضا العملاء ومتطلبات العمل اللوجستية.
تحدياتٌ إضافيةٌ من وجهة نظر عاملي توصيل آخرين
خلال استطلاعنا، استعرض عاملو توصيلٍ آخرون مجموعةً من المشكلات الرئيسية التي يواجهونها خلال عملهم اليومي، وهي:
- الازدحام المروري.
- الطقس الحار.
- العناوين الخاطئة أو غير الكاملة.
- أرقام الهواتف غير الدقيقة.
- عدم رد العملاء على المكالمات.
- العملاء الذين يطيلون من انتظار عامل التوصيل عند الباب.
- صعوبة العثور على أماكن وقوفٍ للسيارات.
- العملاء الذين يتصلون بعد ساعات العمل لتسلم طرودهم؛ بسبب عدم تواجدهم في عناوينهم عند التوصيل.
- العملاء الذين يفتحون الطرد المدفوع نقداً عند التسليم (COD)، ويرفضون دفع ثمنه.
- التجار غير المستعدين لاستقبال الطلبات.
- أعطال المركبات.
- العملاء الذين يطلبون منهم العودة في اليوم التالي.
- العملاء الذين لا يملكون أموالاً نقدية لدفع قيمة الطلبات عند الاستلام.
أيام عملٍ مريحة
لو أنَّ مهمة عامل التوصيل صعبةٌ على الدوام، هل سيوافق أحدٌ على تأديتها؟ هذا ما أكّده عاملو التوصيل جميعهم لدينا، حيث أخبرونا أنهم يقابلون أيام عملٍ إيجابيةٍ في أغلب الأوقات، فما الذي يجعلها كذلك؟
العمال الذين قابلناهم شاركونا هذه العوامل الستة التي تشعرهم بالرضا والإنجاز في نهاية أوقات عملهم:
1. حركة مرور خفيفة على الطريق.
2. تواجد جميع العملاء عند التسليم.
3. تسليم الطلبات جميعها، وتحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs).
4. عندما تكون قيمة الطرد مدفوعة مسبقاً.
5. استجابة العملاء بشكلٍ سريعٍ مع الخدمة.
6. عندما تكون جميع شحنات التجار جاهزةً وقت استلام عامل التوصيل لها.
العميل المتفهم
أخبرنا سائق شاحنة يدعى "قيصر" عن موقفٍ نادرٍ مع عميلٍ أدهشه برد فعله، حيث قال: "عند وصولي إلى عنوان العميل، لم أجد الطرد داخل السيارة، فأخبرته بالمشكلة وأن الطلب مفقودٌ، إلا أن ردَّ العميل كان: لا تقلق، قد يحدث هذا الأمر أحياناً بسبب ضغط العمل، أرجوك أخبرني عندما تجده".
التحديات التي تواجه توصيل الأدوية والمستلزمات الطبية
تقع على عاتق عامل التوصيل "راجا" العديد من المسؤوليات الخاصة، حيث يتعاون مع الأطباء والصيدليات؛ لتوصيل الأدوية الطبية العاجلة والمهمة إلى العيادات والمستشفيات، كما تحتوي الشاحنة التي يقودها على قسم تبريدٍ خاصٍ؛ لحماية المنتجات الحساسة من الحرارة الشديدة خلال النهار.
يقول راجا أنه يعمل في كثير من الأحيان على توصيل الأدوية الضرورية حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل، إلا أن بعض الزبائن لا يقدّرون الجهد الإضافي الذي يبذله، ويتركونه منتظراً أمام أبوابهم إلى ما يصل حتى 45 دقيقة أحياناً، ويُضيف: "أتواصل مع بعض العملاء لتحديد موعد استلام الطرد، ونتفق على موعدٍ محدد، لكن عند وصولي إلى الموقع، لا يستجيبون لمكالماتي، ويجعلونني أنتظر لمدةٍ من الوقت، ثم يطلبون تأجيل الاستلام إلى اليوم التالي".
دليل التغلب على تحديات خدمة توصيل الميل الأخير
يشارك سائق الشاحنة "بدر" النصائح التالية حول كيفية التغلب على صعوبات توصيل الميل الأخير:
1. ابدأ عمليات التوصيل في المناطق غير المزدحمة صباحاً.
2. حافظ على نشاطك وهدوئك.
3. التزم باتباع قواعد المرور.
4. حافظ على الطرود الحساسة للحرارة في مكانٍ بارد.
5. انقل الأغراض الهشة والقابلة للكسر برفقٍ وعناية.
6. اترك حالات الدفع النقدي عند التسليم (COD) إلى نهاية اليوم؛ لتتجنب الاحتفاظ بالكثير من المال لوقتٍ طويل.
يحترم موظفو التوصيل لدينا العملاء الذين يقدرون جهودهم
إن مهمة عامل توصيل الميل الأخير صعبةٌ للغاية، بل محبطة في بعض الأحيان، لكن من دون هؤلاء الأفراد المتميزين في تقديم الخدمات اللوجستية، سيفتقد عملاؤك خدمةً أساسيةً يتوقعونها منك في وقتنا هذا الذي يعتمد على الراحة والسهولة في الطلب.
رغم التطورات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن الأمر لا يزال (في أغلب الأوقات) متوقفاً على البشر لإكمال الحلقة الأخيرة من سلسلة الخدمات اللوجستية، خاصةً عند التعرض للطقس الماطر أو أشعة الشمس الحارقة، والاختناقات المرورية، وتعطل المركبات، والتلوث الشديد، وحالات التوتر والغضب عند القيادة، مع العديد من المخاطر الأخرى.
يشعر عاملو التوصيل بالسعادة عندما يُظهر العملاء تفهمهم لحالات التأخير الناتجة عن أحد الأسباب المذكورة سابقاً في هذا المقال. كونوا على ثقةٍ أن عاملي التوصيل لدينا يتفهمونكم ويشاركونكم مشاعر الاستياء عند عدم تمكنهم من توفير أفضل تجربةٍ ممكنةٍ لكم ولزبائنكم، وبالمقابل، يشعرون بالرضا والسعادة والتحفيز عندما تسير جميع الأمور على ما يرام.